حذر الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان، من احتمال انهيار النظام الإيراني نتيجة للأزمات الاقتصادية والضغوط الخارجية على اقتصاد البلاد، بعد أن أشار في الأيام الأخيرة مرارًا إلى المأزق في تأمين الغاز والكهرباء والبنزين، وإلى فراغ خزينة الدولة.
وفي حديثه، مساء الاثنين عبر التلفزيون الرسمي، أشار بزشکیان إلى المشكلات الاقتصادية الجدية، مؤكدًا أن الحكومة لا تستطيع تأمين الغاز، الكهرباء، والبنزين بالطرق الحالية، وأن خزينة الدولة عمليًا فارغة.
وأضاف أن الحكومة واجهت صعوبات كبيرة في توفير الموارد المالية اللازمة لدفع الإعانات الشهرية في الشهر الماضي، وتمت هذه الدفعات بعد تأخير. كما أشار إلى أن سداد ديون الحكومة للمزارعين والممرضين تم بصعوبة وتأجيل.
ووصف بزشکیان هذا الوضع بأنه نوع من "الإفلاس العملي" للدولة.
وفي تصريحات أدلى بها صباح الثلاثاء، حذر بشكل أكثر حدة من أن الوضع الاقتصادي في البلاد أكثر خطورة مما يُتصور.
وقد أثارت تصريحات بزشکیان انتباه كبار مسؤولي النظام، ويبدو أنها تتجاوز مجرد تحذير عادي، لتكون مؤشرًا على استعداد النظام لإجراء تغييرات محتملة في السياسات الاقتصادية، بما في ذلك زيادة أسعار البنزين.
اجتماع طارئ مع قادة النظام
وبحسب معلومات حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، فقد عُقد اجتماع خاص حضره رؤساء السلطات الثلاث وقادة كبار في الحرس الثوري لمناقشة الأبعاد الأمنية لزيادة أسعار البنزين.
وشارك في الاجتماع مسعود پزشکیان، وغلام حسين محسني إيجه إي، رئيس السلطة القضائية، ومحمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، وعلي أكبر أحمديان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وحسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، ومحمد كاظمي، رئيس منظمة استخبارات الحرس الثوري.
وتشير تركيبة الاجتماع، التي ضمت بشكل أساسي قادة عسكريين، إلى أن موضوع زيادة أسعار البنزين تم التعامل معها من زاوية أمنية أكثر من اقتصادية، إذ إن القلق الرئيسي لقادة الحرس الثوري هو منع حدوث احتجاجات شعبية محتملة.
وقد تقرر في هذا الاجتماع تأجيل زيادة أسعار البنزين إلى ما بعد 10 فبراير (شباط) 2025 وكذلك حتى بعد عطلة النوروز، لتجنب التأثيرات السلبية على المناسبات الرسمية والاستقرار الاجتماعي.
دروس الماضي والمخاوف الأمنية
في عام 2019، أدى رفع أسعار البنزين بشكل مفاجئ في عهد حكومة حسن روحاني إلى اندلاع احتجاجات واسعة ضد النظام. وكانت تلك الاحتجاجات الأكثر شمولًا منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وأسفرت عن مقتل عدة مئات من الأشخاص وأثارت مخاوف أمنية جدية للنظام.
وقد أظهرت التجارب السابقة أن زيادة أسعار البنزين لم تحل المشكلات الاقتصادية مثل استهلاك الوقود أو تهريبه، بل أضافت أعباء اقتصادية أكبر على المواطنين، خاصة الفئات الفقيرة. ويبدو أن القلق الأساسي للحكومة في هذه المرحلة ليس تحسين رفاه المواطنين، بل إدارة الأزمة الاقتصادية ومنع الاحتجاجات الاجتماعية.
ارتفاع الدولار وتأثيراته
في الوقت نفسه، أدى الارتفاع الحاد في سعر الدولار إلى تعميق المخاوف. فقد وصل سعر الدولار يوم الثلاثاء إلى 71,700 تومان، وهو أعلى مستوى مسجل حتى الآن.
ولا شك أن الحكومة تستفيد من هذا الارتفاع لأنها الجهة الرئيسية الموردة للعملة الأجنبية في السوق، ما يسمح لها بجني المزيد من الأموال من بيع الدولار، وبالتالي تعويض جزء من العجز في الميزانية.
لكن هذا الوضع يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما يزيد من الضغط على المواطنين.
وقد حذر خبراء اقتصاديون، مثل حسين راغفر، مرارًا من احتكار الحكومة لسوق العملات الأجنبية.
ووصف راغفر مصطلح "السوق الحرة للعملات" بأنه غير واقعي، معتبرًا أن الحكومة، بصفتها البائع الرئيسي للعملات الأجنبية، تستغل هذا الاحتكار لتحقيق إيرادات إضافية وخلق امتيازات للفئات المقربة منها.
تركيز على الأمن بدلاً من الحلول الاقتصادية
تعكس تصريحات بزشکیان وسياسات حكومته حالة الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، حيث يبدو أن تركيز النظام منصبّ على إدارة الأزمات من منظور أمني أكثر من إيجاد حلول اقتصادية حقيقية.
وفي ظل خزينة فارغة وزيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أن النظام الإيراني أكثر قلقًا من أي وقت مضى بشأن الوضع الراهن وتبعات القرارات المستقبلية.
وتشير القرارات الأخيرة إلى أن الحكومة وكبار مسؤولي النظام يسعون لتجنب تكرار احتجاجات عام 2019 الواسعة، لكن التجارب السابقة تظهر أن مثل هذه السياسات لم تقدم حلولًا جذرية، بل أجّلت الأزمة وزادت من عمقها.